غياب البرامج السياسية والنشاطات الدعوية والخيرية

الأحزاب الإسلامية في الجزائر.. حبر على ورق؟

 

يبدو أن شهر رمضان الذي جاء هذه السنة مصاحبا لدخول اجتماعي مضطرب لن يزيد من شعبية الأحزاب الإسلامية التي باتت الغائب الأكبر على جميع الأصعدة وفي كل النشاطات التي تشهدها البلاد، سياسية كانت أو دعوية أو خيرية، مما يكشف عن الواقع الفعلي لأحزاب اتخذت شعار "الإسلام هو الحل"، ولكنها لم تستطع، بفعل عوامل عدة، صناعة رأي عام له قواعده الثابتة في كبريات القضايا التي تهم الجزائر خاصة، والعالم الإسلامي عامة.

فعلى الصعيد السياسي، لم تستطع الأحزاب الإسلامية تقديم برامج فعلية يمكنها أن تساهم في إخراج الجزائر من الأزمة الخانقة التي تحيط بها، فهي لم تقدم تصورات موحّدة لطبيعة الحلول التي ينبغي انتهاجها من أجل "أسلمة المجتمع" التي حكمت الأدبيات السياسية لأبناء "الإسلام السياسي"، لأن الأحزاب التي رفعت شعار الإسلام كقاعدة للتغيير اختلفت في كل شيء، بل حتى داخل الحزب الواحد حدثت شقاقات وخلافات أدت إلى انفجار القواعد وانكفائها في شكل "حُزيّبات"، وعلى رأس الأمثلة الأزمة التي شهدتها "حركة النهضة" التي انفصلت منها "حركة الإصلاح" التي دخلت بدورها في انقسام سرطاني آخر رهن الحزب لدى وزارة الداخلية التي لم تفصل بعد نهائيا في موضوع قيادييه الشرعيين، مع استغلال هذا الوضع قدر الإمكان في إضعاف إطاراته الحركية التي أصيبت بشلل سبّبه الانفصام الذي يشهدونه بين قيادات تاريخية تحكم لها العدالة بالحق في استعمال المقر الرسمي للحزب، في حين تُعطي مهمة تسيير الانتخابات التشريعية ثم المحلية لجناح "التقويميين" الذين أخفقوا في تجنيد أبناء الحركة بالكامل. كما تحول المعارضون الأوائل داخل حركة "حمس" إلى أفراد يبحثون عن تموقعات جديدة داخل الحقل الإسلامي، بعدما فاتهم قطار "المشاركة" الذي أعطى للحركة حقائب وزارية وسلبها جزءا من مصداقيتها، خاصة بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح.

ويرى الملاحظون أن الأحزاب الإسلامية قد أذعنت للواقع المفروض بكل تبعاته، بما فيها غلق المجال السياسي أمام الوافدين الجدد، ولهذا تحولت إلى تنظيمات إدارية أكثر من كونها قوى تغييرية، سواء كانت في صف المشاركة أو المعارضة، واكتفت بالنشاطات الموسمية التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية، إضافة إلى إصدار بيانات توضح موقفها من بعض القضايا التي لا يختلف فيها اثنان، كالتنديد بالعمليات الإرهابية و"الاستنكار الصارخ" لمساعي الكيان الصهيوني في حفرياته تحت المسجد الأقصى.

ولا أدل على ذلك من تخلي هذه الأحزاب عن أجنحتها الدعوية والخيرية التي كانت الرافد الأول الذي يمدها بقواعدها، فاختفت النشاطات الدعوية والمحاضرات الدينية وربط العمل السياسي بتأصيلاته الشرعية، إلا في نطاق ضيق، كما اختفت نشاطاتها الخيرية التي كانت في الماضي سببا رئيسا في التفاف الجماهير حولها، لأنها مثّلت في عيونها المخلّص الذي يُصلح بورع القياديين ونزاهتهم فساد الحكومات المتعاقبة، خاصة وأن الشعارات الإسلامية والأحلام كانت تربط المجتمع بالمدينة الفاضلة والقرون الأولى، قبل أن يحدث ما حدث.

ويرى متتبعون أن سبب هذا التقهقر يرجع بالدرجة الأولى إلى القواعد الصارمة التي تفرضها الدولة على العمل الديني والخيري، حيث مُنعت المساجد من الدعاية الحزبية والاستغلال السياسي، كما مُنعت الجمعيات الخيرية من النشاط بحكم الارتباط السابق بين بعض الجمعيات وشبكات تمويل الإرهاب، إضافة إلى التضييق العالمي على نشاط الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تعرّض كثير منها لتعسفات قضائية أمريكية أدت إلى حجز أموالها ووقف نشاطها، وهو ما أدى إلى ضمور في النشاط وقلة التواجد في الميدان.

وعلى الرغم من موضوعية هذه النظرة في عمومها، إلا أن الخلل الذي وقعت فيه الأحزاب الإسلامية، باختلاف توجهاتها، هو إعطاء الأولوية للسياسي على الدعوي، حيث يُربط العمل الديني والخيري تلقائيا بما يحققه من مصالح انتخابية، ولهذا لم تعد النشاطات الدينية تقام لذاتها، والمتتبع لمساهمة إسلاميي الجزائر في مؤتمر القدس الدولي الذي انعقد في الجزائر يرى أن كثيرا من جوانبه اتسم بالدعاية الإعلامية والسياسية أكثر من ارتباطه بالقضية. وللأسف طغت ثقافة "الصالونات" على أبناء الصحوة الذين صاروا يتعاملون وفق بروتوكولات الوزراء والمسؤولين، وليس بمنطق الدعاة وخطباء المنابر مثلما عُرفوا في السابق.. فهل بقي حزب يمكن أن يطلق عليه "إسلامي" في الجزائر؟